سورة النساء - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33)} [النساء: 4/ 33].
نزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنّون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم، فأنزل اللّه تعالى فيهم أن يجعل لهم نصيب في الوصية، وردّ اللّه تعالى الميراث إلى الأقارب العصبات أو الورثة، ومنع اللّه تعالى أن يجعل للمتبني ميراث المتبنى، ولكن جعل له نصيبا في الوصية.
ومعنى الآية: لكل من الرجال والنساء ورثة، لهم الحق في تركتهم، والموالي: هم الوالدان والأقربون والأزواج، فآتوا أيها المورثون حقوق الورثة كاملة من غير نقصان، أما الذين كنتم تتبنونهم في الجاهلية- والآن حرم عليكم التبني في الإسلام- فلكم إعطاؤهم شيئا من أموالكم بطريق الوصية، لا بطريق الميراث، واللّه رقيب على أفعالكم، شهيد على أعمالكم، فيجازيكم عليها يوم القيامة، فلا يحملنكم الطمع والحسد على أن يأخذ واحد منكم شيئا من نصيب غيره في الميراث، سواء أكان ذكرا أم أنثى.
تنظيم حياة الأسرة:
نظم الإسلام الحياة الزوجية وشؤون الأسرة تنظيما عادلا، يتفق مع الحكمة الرشيدة، والأوضاع السديدة، فجعل تدبير أمر المنزل في قضاياه العامة للرجل، وجعل له القوامة على المرأة، أي القيام بأمرها والمحافظة عليها بعناية ورعاية تامة، دون استبداد ولا استعلاء ولا ترفع أو ظلم، كما كلف اللّه الرجل مقابل هذه الدرجة من القوامة بالجهاد، وحماية الأوطان، والإنفاق على النساء المستوجب إعطاء الذكور ضعف حظ النساء، فإذا كان للرجل درجة القوامة، فعليه في مقابلها مسئوليات جسام أخرى لأنه أقدر على تحمل المسؤولية والمشاق ومزاحمة الناس في الحياة العملية، والتعرض للمخاطر، والانفراد أحيانا في أماكن لا يجد فيها معينا ولا مؤنسا.
لذا قال اللّه تعالى:


{الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35)} [النساء: 4/ 34- 35].
قال الحسن البصري: جاءت امرأة إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم تستعدي على زوجها أنه لطمها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القصاص، فأنزل اللّه: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} الآية، فرجعت المرأة بغير قصاص، أي لم يعاقب الزوج على لطم زوجته.
وقال ابن عباس: الرجال أمراء على النساء، أي إن الآية نزلت مبيحة للرجال تأديب نسائهم.
فالرجل قيّم على المرأة، أي هو الرئيس والكبير والحاكم والمؤدب إذا اعوجت، وهو القائم عليها بالحماية والرعاية، فعليه الجهاد دونها، وله من الميراث ضعف نصيبها لأنه هو المكلف بالنفقة عليها. وسبب هذه القوامة أمران:
أولا- وجود مقومات جسدية، فهو أقوى وأكمل إدراكا وخبرة ومعرفة بشؤون الحياة، ومعتدل العاطفة.
ثانيا- أنه المنفق على البيت والزوجة والقريبة، ويلزمه المهر رمزا لتكريم المرأة، وتعويضا أدبيا لها، ومكافأة على مشاركته في حصن الزوجية، وفيما عدا ذلك فالرجل والمرأة متساويان في الحقوق والواجبات، قال اللّه تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 2/ 228]
أي إن الزوجين متساويان بالمعروف الذي يقره الشرع، دون تجاوز الحدود المشروعة، وللرجال درجة القوامة، لتسيير شؤون هذا المجتمع الصغير، الخلية الأولى للمجتمع، وهو الأسرة. والعجز عن النفقة يسقط حق القوامة للرجل. وللنساء حالتان: فالصالحات منهن قانتات مطيعات لأزواجهن، حافظات للأسرار المنزلية والأعراض والخلوات، ولهن ثواب عظيم على ذلك، روى البيهقي وغيره عن أبي هريرة: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «خير النساء: امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها».
وهؤلاء النساء الصالحات ليس عليهن إلا المعاشرة بالمعروف.
وأما النساء الشاذات الناشزات غير المطيعات للأزواج، وهن اللاتي يترفعن عن حدود الزوجية وحقوقها وواجباتها، فيسلك معهن الرجال المراحل الأربع الآتية:
1- الوعظ والإرشاد إذا أثّر في نفوسهن: بأن يقول الرجل للزوجة: اتقي اللّه، فإن لي عليك حقا.
2- الهجر والإعراض في مضجع المبيت من غير خروج من المنزل: وهو ترك المبيت مع الزوجة في فراش واحد، ولا يحل هجر الكلام أكثر من ثلاثة أيام.
3- الضرب غير المبرّح، أي غير المؤذي كالضرب الخفيف باليد على الكتف ثلاث مرات، أو بالسواك أو بعود خفيف، لا بالكف على الوجه، ولا بالعصا ونحوها مما يؤذي، لأن المقصود هو الإصلاح لا غير، والضرب أمر رمزي فقط.
4- التحكيم: فإن اشتد الخلاف والعداوة، أرسل حكمان: أحدهما من أهل الزوج والآخر من أهل الزوجة، للسعي في إصلاح ذات البين بعد استطلاع حقيقة الحال بين الزوجين، ومعرفة سبب الخلاف، ومتى حسنت النية والنصح لوجه اللّه، يوفق اللّه الحكمين للقيام بالصلح والهداية إلى الخير، وتحقيق الوفاق والتفاهم، والعودة إلى التوادد والتراحم والألفة بين الزوجين.
ومن أهم أسباب الوفاق: ترك الغلو والعصبية، والتواضع وتقوى اللّه، والاحترام المتبادل، وتقدير إنسانية المرأة، والاتصاف بصفة الرحمة والخوف من اللّه حال الغطرسة والتجبر، واللّه عليم خبير ببواعث الخلاف، يجازي كل إنسان بعمله.
مبادئ الحياة الاجتماعية في الإسلام:
وضع الإسلام مبادئ العلاقات الاجتماعية على أسس ثلاثة: عبادة اللّه وحده لا شريك له والخوف منه سبحانه، وتوثيق العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة والمجتمع بدءا من الجار وانتهاء بابن السبيل، والسخاء في الإنفاق والبذل في المعروف ومقاومة الشح والرياء والبخل لأنه رذيلة وتدنيس للمروءة والكرامة.
قال اللّه تعالى مبينا هذه الأسس أو الأطر:


{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38) وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39)} [النساء: 4/ 36- 39].
وآيات البخل والرياء نزلت في علماء بني إسرائيل الذين كانوا يبخلون بما عندهم من العلم، وينصحون الأنصار ألا ينفقوا أموالهم، خوفا من الوقوع في الفقر.
أرشد اللّه تعالى الناس جميعا في المجتمع إلى بعض خصال الخير والإحسان، وأولها: عبادة اللّه وحده دون إشراك أحد معه، والعبادة: هي الخضوع التام لله، مع إشعار القلب بتعظيم اللّه وإجلاله في السر والعلن، والخشية منه وحده، وتكون عبادة اللّه بفعل ما أمر اللّه به وترك ما نهى عنه، سواء في الشؤون القلبية كالحسد والحقد، أو في ممارسة الأعضاء بعض الأفعال، والأمر أولا بعبادة اللّه لأنها مصدر الإلهام بكل خير وترك كل شر، والإقدام على الفضائل.
والواجب الثاني: الإحسان إلى الوالدين وبرهما أي طاعتهما في معروف، والقيام بخدمتهما، وتحقيق مطالبهما، والبعد عن كل ما يؤذيهما لأنهما سبب وجود الولد، وتربيته برحمة وإخلاص، وحب دائم، وتضحية من الأهل.
والواجب الثالث: الإحسان إلى القرابة وهو صلة الأرحام كالأخ والأخت والعلم والخال وأبنائهم، وذلك بمودتهم ومواساتهم المادية والمعنوية.
والواجب الرابع: الإحسان إلى اليتامى، ومنهم الذين فقدوا آباءهم واستشهدوا في الجهاد من أجل إعلاء كلمة اللّه أو الدفاع عن الأوطان، لأن هؤلاء الأيتام والمستضعفين، ومثلهم المعاقون فقدوا الناصر والمعين وهو الأب، والمعاق: فقد القدرة الجسدية على ممارسة حياة كريمة صحيحة.
والواجب الخامس: الإحسان إلى المساكين والفقراء: وهم المحتاجون الذين لا يجدون ما يكفيهم، والإحسان إليهم بالتصدق عليهم، أو بردّهم ردا جميلا، لقوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10)} [الضحى: 93/ 10] وهذا يحقق مبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام.
والواجب السادس- الإحسان إلى الجيران، وهم كما ذكرت الآية ثلاثة أنواع:
الجار القريب في المكان أو النسب أو الدين، والجار البعيد غير القريب المجاور في السكن، والصاحب بالجنب: وهو الرفيق في السفر، والإحسان إلى الجيران يحقق مبدأ التعاون والتواصل والتوادد والشعور بالسعادة ويكون الإحسان للجيران بكف الأذى، وحسن العشرة، وتبادل الهدايا والزيارة، والوليمة والعيادة حال المرض ونحو ذلك.
والواجب السابع: الإحسان إلى ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع عن ماله، أو الضيف بإكرامه ومساعدته للوصول إلى بلده. ومثله الإحسان للأرقاء في الماضي والخدم والأعوان في الحاضر.
ثم حذرت الآيات القرآنية من أمرين قبيحين هما البخل والرياء في الإنفاق من المال، أما البخل فهو داء وخصلة رذيلة، قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «إياكم والشح، فإنه هلك من كان قبلكم بالبخل، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا».
وقد توعد اللّه البخلاء بالعقاب في قوله تعالى: {وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً}.
وأما الرياء فهو أمر ذميم محبط ومبطل للأجر والثواب، لأن المرائي لا يقصد بعمله وجه اللّه، وإنما يقصد بإعطائه المال السمعة والشهرة والتظاهر، لا شكرا لله على نعمة، ولا اعترافا لعباد اللّه بحق، والرياء كالبخل يعاقب اللّه عليه، وهو شرك خفي يقصد به التقرب لغير اللّه، أما المؤمن حقا بالله واليوم الآخر فهو سخي غير بخيل، ينفق ماله بنية حسنة، وبقصد التقرب إلى اللّه وحده، واللّه عليم بالنيات.
الترغيب في الامتثال والتحذير من العصيان:
التربية الدينية القرآنية قائمة على الترغيب من اللّه تعالى بامتثال أوامره والتحذير من المخالفة والمعاصي والتورط في المنهيات، وذلك كله من أجل خير الإنسان والأخذ بيده نحو الأهداف المثلى والمصالح والمنافع الأبدية له في الدنيا والآخرة.
لذا بشر اللّه عباده بأنه لا يظلم مثقال ذرة، ويضاعف الحسنات ويمنح الثواب العظيم على العمل القليل، ويوبخ اللّه تعالى المقصرين المعرضين عن الطاعة والإيمان، ويذكر أن مواقفهم مدعاة للعجب يوم القيامة، وعندها يندمون ويودون أنهم لم يبعثوا أحياء، وأن يبقوا في قبورهم أمواتا. قال اللّه تعالى:

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10